المأزق الإسرائيلي في غزة- تآكل الأخلاق وتحدي النظام العالمي

المؤلف: د. مروان الغفوري08.20.2025
المأزق الإسرائيلي في غزة- تآكل الأخلاق وتحدي النظام العالمي

فظاعة المجاعة في غزة قد صدمت المجتمع الدولي، وأثارت استياءً واسعاً في أرجاء المعمورة. قرار ويتكوف بالذهاب شخصياً إلى غزة لإعلان "عدم وجود مجاعة" يعتبر أمراً مستغرباً، ولا يخدم سوى تقويض الرصيد الأخلاقي لبلاده، وهو رصيد ثمين يصعب تقديره بالعين المجردة.

في تسعينيات القرن الماضي، صرحت وزيرة الخارجية الأمريكية مادلين أولبرايت، ذات النفوذ القوي، بأن العالم بأسره لا يستطيع الاستغناء عن الدور القيادي لأمريكا، باعتبارها الحامية للنظام العالمي التعددي الراسخ على القواعد. حتى ذلك التاريخ، كانت أمريكا قد خاضت ما يقارب أربعمائة حرب خارج حدودها، وحافظت على "النظام العالمي القائم على القواعد" من خلال انتشار ثمانمائة قاعدة عسكرية موزعة على مختلف أنحاء العالم.

هذه الدولة التي تدعي أنها لا غنى عنها للعالم، ترفض الانضمام إلى محكمة العدل الدولية، ولا تعترف بقرارات المحكمة الجنائية الدولية، ولا تلتفت إلى أي "هيئة دولية" ذات طابع قانوني. وفي الوقت الراهن، تشارك هذه الدولة مع إسرائيل في تنفيذ أفدح مذبحة شهدتها الإنسانية، وتلاحق القضاة الدوليين الذين تجرأوا على التدقيق في تفاصيل هذه المذبحة.

حتى اللحظة الراهنة، لم تظهر أي صورة جوية توثق حجم الجرائم المرتكبة في غزة، ولا تزال وسائل الإعلام الأوروبية تنشر أعداد الضحايا مع إرفاقها بعبارة مقتضبة تنص على أن هذه الأرقام "وفقاً للسلطات الطبية التابعة لحماس".

يكمن جوهر المشكلة في المقاربات البيروقراطية للأحداث الجارية، وهو ما جعل صور المجاعة أكثر إثارة للدهشة والاستنكار من صور الدمار الهائل. فالبيروقراطية الأخلاقية تولي للجوع أهمية قانونية أكبر مما توليه للحرب والدمار.

في اليومين الفائتين، نشرت صحيفة "taz" الألمانية، المعروفة بتوجهاتها اليسارية، تقريراً مفصلاً ضمّنته آراء مجموعة من الباحثين حول توصيف الأحداث الجارية في غزة، وهل ترقى إلى مستوى "الإبادة الجماعية" (Genocide) أم تندرج ضمن "التصفية العرقية" (Ethnic cleansing).

اتخذ النقاش طابعاً بيروقراطياً بحتاً، مع الإشارة الدائمة إلى ما حدث في مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. فمن وجهة نظر بيروقراطية ضيقة، لا يمكن وصف ما حل بهاتين المدينتين بالإبادة الجماعية، على الرغم من الفناء الكامل لجميع السكان.

يعزى ذلك إلى أن الجريمة النووية تفتقر إلى وثيقة رسمية تؤكد وجود نية واضحة لإبادة اليابانيين باعتبارهم إثنية أو قومية محددة. فقد كانت أهداف الرئيس الأمريكي ترومان، كما صرح بذلك البروفيسور ميرسهايمر في لقائه الأخير مع تاكر كارلسون، هي إنهاء الحرب بأي ثمن. بمعنى آخر، لقد تم تدمير مدينتين كاملتين لأسباب "نبيلة" من وجهة نظره.

البيروقراطية، أي الاعتماد على الأوراق الرسمية والإجراءات الروتينية، هي التي تحدد ما إذا كان الفعل نبيلاً أم شريراً. هذا ما سعى ويتكوف إلى تحقيقه عندما ذهب إلى غزة ليشهد بنفسه، وهناك صرح بأنه رأى البضائع والأدوية في طريقها إلى المحتاجين في غزة. وبالتالي، لا توجد نية للتجويع، بل مجرد مشاكل بيروقراطية وأمنية لا أكثر.

في عام 1944، قام المحامي اليهودي البولندي رافائيل ليمكين بصياغة مصطلح "الإبادة الجماعية" من كلمتين يونانيتين هما: Genos وتعني النوع، وCide وتعني القتل. ثم قام بتطوير فكرته في كتابه الشهير "حكم المحور في أوروبا المحتلة". وقد تكللت جهوده الفكرية باعتماد الأمم المتحدة لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها في عام 1948. إلا أن ليمكين وضع عقبة أساسية في تعريف الإبادة الجماعية، وهي عنصر "النية". أي أن يكون الهدف هو تدمير جماعة بشرية، بشكل كامل أو جزئي، على أساس إثني أو قومي أو ديني.

حتى الآن، لم تدن المحكمة الجنائية الدولية، ولا أي محكمة أخرى، أي دولة بجريمة الإبادة الجماعية. وفيما يتعلق بألمانيا النازية، فقد اعتُبرت وثيقة "الحل النهائي للمسألة اليهودية" التي تعود إلى اجتماع للقيادة النازية في عام 1942، دليلاً قاطعاً على وجود نية مبيتة لتدمير الجماعة اليهودية على أساس ديني وإثني، ولكن ألمانيا كدولة لم تدن رسمياً.

اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها التي وضعت في عام 1948 لا تسري بأثر رجعي. وبدلاً من ذلك، تمت إدانة أفراد من داخل النظام النازي.

المذبحتان المروعتان اللتان وقعتا في رواندا عام 1994، وفي البوسنة والهرسك عام 1995، صنفتا من قبل محكمة العدل الدولية بوصفهما إبادة جماعية، ولكن لم يتم إدانة أي من الدولتين كفاعل رئيسي.

لقد حدثت بالفعل إبادة جماعية في البلدين، وتمت إدانة أفراد وجهات تحت-دولتية. ولكن لم تدن أي دولة حتى الآن بجريمة الإبادة الجماعية منذ عام 1948. وهذا الأمر يجعل من ربط إسرائيل بفكرة الإبادة الجماعية مسألة بالغة الحساسية بالنسبة للعالم الغربي برمته. فمن غير المرجح أن تكون الدولة التي نشأت في الأساس بفعل الإبادة الجماعية، هي أول دولة في التاريخ تدان بارتكاب الفعل نفسه.

يبدو الأمر وكأنه "كابوس من كوكب آخر"، على حد تعبير يولي نوفاك، رئيسة منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية المرموقة. وفي تقييمها للأحداث الجارية في غزة، توصلت بتسيلم إلى استنتاج خطير يضع مذبحة غزة في خانة الإبادة الجماعية.

في تقديمها للتقرير، كررت نوفاك عبارات حزينة ومؤثرة على شاكلة: "لم يكن ليخطر ببالنا أننا سنكتب في يوم من الأيام ما كتبناه هنا"، أي الاعتراف الصريح بأن بلادها متورطة في جريمة الإبادة الجماعية.

يمارس الإسرائيليون ضغوطاً هائلة على حلفائهم، بل ويستخدمون ماضيهم كأداة للابتزاز. اعترف بايدن، بعد زيارته لإسرائيل في الأيام الأولى للحرب، بأنه خاطب نتنياهو بالقول: "ليس بمقدورك تدمير هذه المجتمعات الحضرية"، فرد عليه الأخير بتذكيره بما فعلته أمريكا في اليابان وألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية.

كشف بايدن عن مضمون الحديث الذي دار بينهما يشير إلى وجود نية إسرائيلية مسبقة لتحويل غزة إلى أرض قاحلة غير صالحة للعيش، أي تقويض الجماعة البشرية في غزة بلا تمييز، ولكونها تمثل قومية بعينها. وهنا يتقاطع تعريف الإبادة مع تعريف التطهير العرقي، ويبدو القصد الجنائي متوفراً بشكل واضح.

يجادل الإسرائيليون في النقاشات المفتوحة بالإحالة إلى السجل التدميري للمجتمعات الأوروبية في مناطق واسعة من العالم، وفي سياقات تاريخية متعددة. ونادراً ما اعترفت دولة أوروبية بماضيها في الإبادة، إذا ما تجاهلنا الادعاءات الأخلاقية لما بعد الكولونيالية.

بالعودة إلى التاريخ الألماني الحديث، فقد نفذت ألمانيا بين عامي 1904 و1908 إبادة جماعية مروعة بحق قبائل الهيريرو في ناميبيا، التي كانت تسمى آنذاك "جنوب غرب أفريقيا الألمانية".

ورداً على تمرد السكان الأصليين على الظلم والاستغلال، أمر القائد الألماني لوثار فون تروتا جنوده بإبادة عرق الهيريرو بوصفه عرقاً "يجب طرد كل هيريرو من البلاد، سواء أكانوا مسلحين أم لا، معهم ماشيتهم أو بدونها، وسيتم إطلاق النار عليهم".

يشابه ما قاله فون تروتا قصة النبي يوشع في سفر يشوع، إذ أمر بفناء أريحا، البشر والشجر والحيوان. وفي الأيام الماضية، قال أكثر من ثلثي الإسرائيليين، بحسب دراسة لجامعة بنسلفانيا، إنهم لا يمانعون من أن تنال غزة مصير أريحا.

لقد تأخرت ألمانيا أكثر من قرن من الزمان قبل أن تعترف، على نحو بالغ الالتواء والتردد، بأن ما جرى في ناميبيا يمثل إبادة جماعية. وعلى الرغم من اعترافها بأن "قواتها" - وليس النظام الحاكم - قد ارتكبت إبادة جماعية، فإنها رفضت تحمل أي مسؤولية قانونية. كما لم تدن بالجريمة على أي منصة قانونية، لأن وثيقة الإبادة الجماعية لا تعمل بشكل رجعي.

اعتراف ألمانيا المنقوص والمتأخر بالإبادة الجماعية في ناميبيا مسّ فكرة "تفرد الهولوكوست"، وربما أهانها. وقد كان ذلك خطأ تاريخياً في تقدير عدد كبير من المثقفين والباحثين اليهود في إسرائيل وخارجها.

فالهولوكوست "حدث يتجاوز التاريخ، بل يتحدى الفهم"، كما يقول الكاتب الإسرائيلي إيلي فيزل، الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 1986.

المؤرخة اليهودية ديبوره ليبشتادت ترفض، مثل مؤرخين يهود كثر، الحديث عن إبادة جماعية في ناميبيا أو رواندا، لأن من شأن ذلك أن يؤدي إلى "تمييع خصوصية الهولوكوست". فالإساءة إلى الهولوكوست من خلال توزيع الإدانات يمنة ويسرة سيهدد فرادة الهولوكوست، وبالتالي الإرث اليهودي الأكثر أهمية.

غير أن التاريخ أخذ إسرائيل ذاتها إلى خانة الإدانة، وباتت هي من يشوش على نفسها، ويحرق كل موروثها الثقافي والتاريخي العريق.

لقد اشتغلت الأكاديميا الغربية، كما السياسة والآداب، في سبيل جعل الهولوكوست نواة الحضارة الليبرالية المعاصرة، والمعيار الأخلاقي المركزي. وتم حظر، بموجب القانون، أي نشاط أكاديمي أو علمي يقترب من مسألة الهولوكوست، وطورد باحثون، بل ووُضعوا في السجون، لأنهم تجرأوا على مساءلة رواية الهولوكوست، كما حدث مع غيرمار رودولف في تسعينيات القرن الماضي.

كان رودولف قد أجرى أبحاثاً كيميائية متعمقة على بقايا "غرف الغاز" في معسكر أوشفيتز، وادعى أن ما وجده لا يدعم بشكل قاطع وجود غرف للقتل بالغاز. وأدى نشره للبحث إلى مطاردة شرسة استمرت بضعة أعوام انتهت بأن عثرت عليه السلطات الأميركية مختبئاً في ضاحية من ضواحي شيكاغو فأعادته إلى ألمانيا، وهناك وضع في السجن في العام 2007.

في وقت مبكر، وبالتحديد في عام 1949، أطلق الناقد الألماني اليهودي ثيودور أدورنو في مقالة بعنوان "الثقافة والنقد" جملته الشهيرة: "أن تكتب شعراً بعد الهولوكوست هو عمل بربري". لقد أحيطت الهولوكوست بسياج منيع، إلى أن أسقطته إسرائيل بنفسها بأفعالها المتهورة.

غزة ورطة إسرائيلية استهلكت قرناً كاملاً من الدعاية المضللة، وزعزعت مركز الحضارة الغربية. وقبل أن تأخذ الهولوكوست صورتها النهائية، بوصفها مركزاً للأخلاق وحدثاً يتجاوز التاريخ، كانت رواية "إيكسيدوس"، لليون يوريس التي نشرت في عام 1958، قد شقت الطريق إلى الوعي الغربي ومهدت الأجواء.

في الرواية يهاجر الناجون من الهولوكوست على ظهر سفينة الإيكسيدوس، ويتيهون في البحر الأبيض المتوسط، ويصطدمون بالقوات البريطانية والعرب، ثم ينتصرون في نهاية المطاف.

التعويض الأخلاقي والتاريخي الذي حصل عليه المجتمع اليهودي في تلك الأرض هو الإنصاف الذي طال انتظاره لأكثر من ألفي عام. وما كان لذلك أن يحدث لو لم تكن الجماعة اليهودية قد حافظت على فرادتها الأخلاقية والدينية على مر التاريخ، وقاومت رياح الأمم والتاريخ ببسالة منقطعة النظير. ومن تلك الفرادة الأخلاقية، ومن الفداء والنصر، خرج الجيش الأكثر أخلاقية في العالم، ألا وهو جيش الدفاع الإسرائيلي.

الورطة الإسرائيلية في غزة معقدة ومتشعبة. وقد اختارت عدد كبير من الصحف الغربية في الأيام الماضية كلمة "Pariah" أو "المنبوذ" في الإشارة إلى إسرائيل. والنبذ هنا ليس سياسياً فحسب، بل أخلاقياً وتاريخياً أيضاً. أي أن يتم عزل إسرائيل حتى عن إرثها التاريخي. وتقوم إسرائيل على ادعاء أخلاقي في المقام الأول، ثم تبني عليه ادعاء سياسياً.

لقد راكمت إسرائيل في العقود الماضية مصادر قوة عديدة، في مقدمتها الدعم المطلق من الليبرالية الغربية من جهة، ومن الإنجيلية الأميركية من جهة أخرى. ولكنها، وهي تبلغ ذروة مجدها، سقطت في فخ إغراء القوة المطلقة، وباتت ضحية لاعتقادها الخاطئ بأن بمقدورها أن تفعل ما تشاء دون رادع.

هكذا رآها الروائي الإسرائيلي ديفيد غروسمان في لقائه الأخير مع صحيفة "لا ريبوبليكا" الإيطالية. لقد قادتها القوة إلى البطش والتنكيل، وأخذها البطش إلى الإبادة الجماعية. ومع سقوطها في قبضة اليمين المتطرف، والجهادية التوراتية، بات من الواضح أنها انزلقت إلى ورطة وجودية ليس من السهل الخروج منها. وبحسب شلومو بن عامي، فإن إسرائيل لم تشهد انهياراً لمكانتها بين الأمم كما يحدث الآن.

لقد انهارت تلك المكانة الرفيعة ليس في الجنوب العالمي فحسب، بل في جميع أنحاء العالم، وفي لحظة قوة مطلقة. ولم تكتفِ إسرائيل بالذهاب إلى أقصى اليمين، حيث الجهادية التوراتية العمياء، بل ألقت بنفسها في حضن الرئيس ترامب، لتبدو وكأنها مشروع أخلاقي لرجل لا يعرف أحد نواياه الخفية.

تشير كل الدلائل والمعطيات إلى أن إسرائيل قد غرقت داخل نفسها، ولم يعد بمقدورها الفكاك. فقد توصلت دراسة شاملة أنجزتها الباحثة الإسرائيلية د. نوا لافي، في عام 2016، إلى أن "الشباب الإسرائيلي" هو الأكثر تطرفاً مقارنة بدول أوروبا الغربية.

وهو ما سيؤكده معهد إسرائيل للديمقراطية، في عام 2018، في استطلاع مدوٍّ كشفت نتائجه عن أن 64% من الشباب الإسرائيلي الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عاماً يصنفون أنفسهم على أنهم "يمينيون"، بينما قال 47% فقط من الأكبر سناً إنهم يمينيون.

وهو مشهد معكوس وغير مألوف في أي بلد آخر. إذ عادة ما تكون اختيارات الأجيال الأحدث سناً أكثر انفتاحاً وتسامحاً وأقل راديكالية وتطرفاً.

تقودنا كل هذه البيانات والمعلومات إلى نتيجة واحدة لا مفر منها، وهي أن إسرائيل اليوم ليست هي تلك الدولة الساحرة التي جسدتها رواية "إيكسيدوس"، الرواية التي تفوقت مبيعاتها في أميركا على رواية "ذهب مع الريح"، وحلت في المرتبة الثانية بعد الكتاب المقدس.

حيال هذا التعقيد المتزايد، تجد الليبرالية الغربية نفسها في مأزق حقيقي وفي ورطة كبيرة. فهي تقاتل اليمين الشعبوي المتطرف في أوطانها وتدعمه بكل السبل والإمكانيات في إسرائيل. إلا أن النسخة الإسرائيلية من اليمين المتطرف تبز وتتفوق على كل صور الفاشية التي عرفتها أوروبا في تاريخها الطويل.

في العامين الماضيين، اندلعت حرب ثقافية ضروس في العالم الغربي في ضوء الأحداث المأساوية الجارية في غزة، ولا تزال تلك الحرب في بداياتها. ولأن إسرائيل ماضية في تحقيق حلمها التوراتي الجامح، فإن الخيارات الغربية الليبرالية ستبدو حاسمة ومصيرية: إما أن تدعم نظاماً دولياً قائماً على القواعد والقوانين، أو أن تغير القواعد والقوانين نزولاً عند رغبة الحلم التوراتي الجامح. وفي كلتا الحالتين، تتعمق أزمة إسرائيل، وتجر معها حلفاءها المقربين إلى ورطتها الوجودية العميقة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة